تكنولوجيا

“أمازون” تعيد رسم خريطة استقرار الإنترنت

في خطوة تعكس إدراكاً متزايداً لحساسية دورها في البنية التقنية العالمية، أعلنت شركة “أمازون” عن تطوير خدمة جديدة داخل منظومتها السحابية تهدف إلى منع تكرار الأعطال التي عطّلت خدمات الإنترنت خلال السنوات الماضية. هذا الإعلان، جاء بعد موجة من الانتقادات بسبب أعطال أصابت خوادم منطقة الشرق الأمريكي، ما تسبب في توقف مواقع وخدمات تعتمد على شبكات الشركة، بما فيها قطاعات مالية وتقنية كبرى.

 

الخدمة الجديدة تركز على تعزيز قدرة العملاء على التحكم في تغييرات نظام توجيه المواقع أثناء حدوث اضطرابات، وهو جزء لطالما اعتبره المختصون نقطة ضعف حساسة في بنية الشبكات العالمية.

 

مخاوف تتصاعد… وضغوط أجبرت “أمازون” على التحرك

تؤكد الشركة أن تطوير الخدمة جاء استجابة لطلبات متكررة من مؤسسات تعتمد على خوادمها لإدارة أنظمة حيوية، خصوصا البنوك وشركات التقنية والمنصات السحابية. هذه الجهات شددت على ضرورة امتلاك أدوات تسمح لها بالاستمرار في العمل حتى خلال وقوع اضطرابات مفاجئة.

وقد طالبت المؤسسات بقدرة أكبر على إجراء تغييرات في توجيه البيانات لضمان استمرار الخدمات أو نقلها نحو موارد احتياطية عند الحاجة. فمع كل تعطل في خوادم الشرق الأمريكي، يتأثر جزء واسع من حركة الإنترنت العالمية، بسبب تركّز عدد هائل من الأنظمة والخدمات في تلك المنطقة.

هذه الضغوط المتراكمة دفعت الشركة إلى الاعتراف بحاجة عملائها لدرجات أعلى من المرونة، ما مهّد لظهور الخدمة الجديدة التي تَعِد بقدرة على التعافي خلال ساعة واحدة من بدء أي انقطاع يضرب المنطقة.

لكن رغم هذا الزمن القصير نسبياً، يرى مختصون أن ساعة كاملة أشبه بفترة حرجة قد تتسبب خلالها الأعطال في سلسلة توقفات قد تمتد عبر دول وقارات، خاصة في ظل الاعتماد العالمي الكبير على المنظومة السحابية للشركة.

 

أعطال متكررة تكشف هشاشة المنطقة الأكثر ازدحاما

شهدت منطقة الشرق الأمريكي، خلال الأعوام الأخيرة، سلسلة أعطال واسعة طالت خدمات أساسية لملايين المستخدمين. أبرز هذه الحوادث ما عُرف بـ“واقعة العشرين من أكتوبر”، إضافة إلى مشكلة تبعتها بأيام قليلة وتأثرت بسببها الآلات الافتراضية لمجموعة كبيرة من الشركات.

ولا تقتصر خطورة هذه الأعطال على توقف الخدمات فحسب، بل تتعداها إلى كونها فرصة تستغلها المجموعات الإجرامية. فقد كشفت تقارير سابقة أن شبكات قرصنة واسعة استغلت أحد الأعطال لتنفيذ هجمات على مدى 28 دولة، ما يؤشر إلى حساسية المنطقة ودورها المحوري في حركة الإنترنت.

هذه المتغيرات دفعت جهات بحثية للتحذير منذ سنوات من أن المنطقة المذكورة تشكل “نقطة ضعف” حقيقية في البنية السحابية، بسبب حجمها الهائل وتنوع الخدمات التي تعتمد عليها. ومع ذلك، ظل التعامل مع المشكلة يتخذ طابعا ترقيعيا حتى تزايدت الأعطال وارتفعت حدة الانتقادات.

 

خدمة جديدة… لكن الأسئلة ما زالت مفتوحة

بحسب مراقبين، فإن إطلاق الخدمة الجديدة يأتي كإشارة إلى أن الشركة بدأت تدرك حجم المخاطر المرتبطة بتركّز هذه البنية الحساسة في منطقة واحدة. فالخدمة تَعِد بمرونة أكبر، لكنها لا تلغي القلق من احتمال تعطل الخوادم بشكل لا يمكن السيطرة عليه خلال المدة الزمنية المحددة.

كما يرى خبراء أن الخطوة تمثل بداية اتجاه جديد قد يدفع شركات كبرى أخرى إلى إعادة النظر في توزيع مواردها، وضمان استمرارية خدماتها بعيداً عن الاعتماد على منطقة واحدة، خصوصا مع التوسع المتسارع للتحول الرقمي عالمياً.

تبدو هذه الخدمة محاولة لطمأنة المستخدمين وإعادة الثقة في بنية الإنترنت التي باتت تعتمد، رغما عنها، على عدد محدود من العقد التقنية الكبرى. ورغم أن التطوير الجديد خطوة مهمة، فإن استقرار الإنترنت العالمي سيظل مرهوناً بقدرة الشركات الكبرى على توزيع المخاطر وعدم تركّزها في نقطة واحدة قابلة للانهيار.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى